قصة زهرة في الرماد

مع كل عسر يسرين ...وبعد كل ضيقة فرج كبير ...جُمل يرددها كل من ضاق به الزمان علّهُ يخفف عما في قلبه من ضيق وألم .....كان ذلك شعور سارة تلك الشابة اللطيفة ,كانت تحب مساعدة الناس وتحديداً أصحاب الإعاقات والجميع يعلم ذلك , تقدم لزواج منها الكثير من الشباب ذوي الدين والخُلق لكن كان والدها يرفضهم جميعاً ولا يريد لأبنته زوجاً سوى أبن عمها , كان والدها متمسكاً بالعادات وأيضا كان يطمع بأموال أخيه , كان لأخيه أربعة من الأبناء ثلاثة منهم أختار حياته الخاصة بعيداً عن تلك العادات والتقاليد وتزوج من خارج العائلة , وبقي الرابع وأسمه خالد ذلك الشاب الوسيم المُغتر بنفسه , كان من أشد الرافضين لزواج من سارة بل كان لا يراها شيئاً و لا يريد سوى امرأة فائقة الجمال , كان كل من يراه ويرى تلك المؤسسات والأموال يتمنى خالد لأبنته , حتى أتى ذلك اليوم الذي تعرض فيه خالد لحادث مروري سبب له إصابات خطيرة جعلته نوعاً ما معاق فكرياً أو كما قال عنه الناس ..مجنون.. بعد هذا الحادث الفظيع رفض الجميع وجود خالد بينهم فهو يسبب لهم الإحراج.
أستغل والد سارة هذه الفرصة وطلب من أخيه والد خالد أن يُزوّج خالد لسارة لكن أشترط أن يعمل بدلا من خالد وإن العائد المالي له يصرفه على نفسه وعلى أبنته وزوجها ....وافق والد خالد على مشاركة والد سارة خالد في نصيبه من المؤسسة .
عاد والد سارة فرِحاً بما حققه وأخبر سارة أن زواجها من ابن عمها سيكون في الأسبوع المقبل
تفاجأت سارة وكذلك والدتها ...حاولا إقناعه برفض خالد لكنه قال: أنا من طلب خالد لكي يا سارة بشرط أن أعمل في المؤسسة وأخي قد وافق على ذلك ولن أتراجع ....غضبت سارة وأخذت تردد: مستحيل,كيف ترضاه لي يا أبي لن أقبل بمجنون ...رد الأب ساخراً: ليس مجنوناً بل معاق و أنت لطالما أحببت مساعدة المعاقين,هذه فرصتك أم كان ما تقولينه مجرد كلام ..أجابت سارة : ليس مجرد كلام لكن.. قاطعها والدها قائلاً: يكفي الموضوع انتهى.... خرت سارة نحو قدم والدها وهي تقبله وترجوه مستعطفة والبكاء يُقطّع كلماتها ..طلبت منه أن يعفيها من هذا الزواج .. لكن من دون جدوى , تركها والدها وهي تحتضن الأرض تبكي وتنوح وكانت والدتها تشاركها البكاء كيف و أبنتها الوحيدة سيكون ذلك هو مصيرها ..اقتربت من أبنتها وهي تحملها من الأرض لتضمها إلى صدرها وتردد بصوتها الباكي : ربك معك يا أبنتي , حسبنا الله ونعم الوكيل ,,حسبنا الله ونعم الوكيل .
وأتى يوم الزواج ..كان بسيطا جداً ....التقى الزوجان في المنزل الجديد وهو قريب من منزل والد خالد ووالد سارة ..وعندما أصبح الزوجان بمفردهما, تقدم خالد نحو سارة فصرخت في وجهه وطلبت منه الابتعاد ,فزع خالد منها وتراجع للخلف ثم جلس في أحد أركان المنزل حزيناً وحيداً ...شعرت سارة بتأنيب الضمير وقالت في نفسها : إذا كان الله لا يحاسبه على أخطائه لمِا أحاسبه أنا في ذنب لم يرتكبه , الذنب ذنب والدي هو الذي رمى بي هنا بسبب جشعه وطمعه.
اقتربت منه واعتذرت له , فوقف وقال : هل تكرهينني , أجابت : لا لا ..بعد ذلك أتجه خالد إلى المطبخ يبحث عن طعام , لحقت سارة به فوجدت منه حسن التصرف .. فهو ليس كما تصورت بل وجدت أنه يدرك لكن بإدراك الأطفال ..أزاح ذلك من قلبها القليل من الخوف من الحياة معه وعقدت العزم على معاملته كأخيها الصغير الذي لم تلده أمها .
واستمرت الحياة بينهم ..كان خالد يرى في سارة الحنان والأمان وبينما كانت هي ترى فيه الثواب العظيم من عند الله جزاء حسن معاملتها له ....كان والدها هو المسئول عن تأمين ما يتطلبه هذا المنزل , لكن لم يكن كريماً لذا بحثت سارة عن عمل تكسب منه عيشها وكرامتها حتى وجدته وكانت خلال فترة العمل تأتي والدتها للإهتمام بخالد وقد كانت هي أيضاً لطيفة معه , ومضت الأيام والشهور أعتاد فيها كل منهما على الآخر حتى أصبحا عائلة واحدة سارة ووالدتها وخالد .
وفي أحد الأيام وبينما كانت سارة عائدة من العمل أسرعت والدتها نحوها قائلة : لقد اختفى خالد تفاجأت سارة..أسقطت حقيبتها وأنطلقت نحو الهاتف واتصلت بعمها تسأله عن خالد , وبعد مجادلة طويلة مع عمها أغلقت الهاتف وآهات الألم والعذاب على كل ذلك الصبر تخرج مع أنفاسها ..تساءلت والدتها : ماذا قال.. أجابت سارة : أنه صديق خالد أراد أن يسافر لتنزه فأصطحب خالد معه ,,طلب الأذن من عمي فوافقه من دون تردد حيث أن والد هذا الصديق ذو شأن عالي لذا خجل عمي من رد طلبه ...آه ما لذي يريده هذا الصديق من شخص معاق..أنا خائفة يا أمي فخالد سيغيب شهرين كاملين وعمي رفض إعطائي رقم هاتف صديقه .
بقيت سارة تنتظر وصول خالد, كانت كلما شعرت أن الفرج أقترب إزادت الدنيا عليها ضيقاً , حتى أتى يوم وصول خالد كانت سارة ووالدتها بأشد حالات الانتظار ليوم وصوله ..جرس الباب أنه يرن أسرعت سارة وفتحت الباب كان خالد ومعه صديقه فقال الصديق : أنا اعتذر لما فعلته و أرجوك إقبلي اعتذاري.. إلى اللقاء ,أغلقت سارة الباب وأمسكت بيدي خالد وقالت : لقد قلقت عليك كثيراً أين كنت .. يداك باردتان و وجهك مصفر ما لذي حدث تبدو قلقاً ...جاءت الأم وهي تقول: رويدك يا ابنتي أنه قادم من سفر ويجب أن تدخيلِه وتهتمي به ألا ترين أنه متعب ..ضحكت سارة وقالت :آسفة يا خالد هيا لداخل لقد أعددت طعاماً لذيذاً هيا ...كانت سارة سعيدة جدا لكن ما تراه في ملامح خالد من مشاعر تدل على القلق والحزن جعلها تحتار ,وبعد أن تناول الطعام أخذته ليرتاح في غرفته , لكن قبل أن تخرج سألته : ماذا حدث لك منذ أن وصلت والقلق يساورك والحزن في عينيك ماذا فعلت مع صديقك لا تخف اخبرني. لكن ما كان منه سوى الصمت , قامت سارة وقالت: لا عليك الأهم من ذلك هو أن تنام الآن هيا تصبح على خير, وبعد أن خرجت من غرفته ,,أخرج خالد بعض الأوراق من جيبه وأخذ يتأملها ثم تنفس بعمق ,وبحث عن مكان يخبئ فيها تلك الأوراق.
و أتى الصباح أخبرت سارة خالد إنها ستقيم احتفالاً في المساء بمناسبة وصوله , وأخذت تعد المنزل لهذا الاحتفال وهو يتأمل ويرى ثم ذهبت لشراء بعض الهدايا وبقيت والدتها عند خالد تحضّر أشهى المأكولات , وعندما أتى المساء وبحضور الأهل أُقيم الاحتفال, ثم قدمت سارة هديتها لخالد فأتى خالد بتلك الأوراق وقال هذه هديتك ياسارة , تعجبت سارة.. قامت بفتحها لتقرأ ما فيها ...وقفت مذهولة
سقطت الأوراق من بين يديها,أسرعت نحو غرفتها وأغلقت الباب..جلست تبكي وتبكي ..أتى خالد وطرق الباب لكنها لم تجيب... ناداها من خلف الباب وأخذ يقول: سارة ...لقد أخطأت في حقك كثيراً ...أنه صديقي لقد ذهب بي إلى الخارج وعلى حسابه الشخصي وقدم لي ما قرأته في تلك الأوراق لقد شفيت يا سارة شفيت وعدت إليكم...فتحت سارة الباب وقالت متسائلة : هل عدت بخالد الذي نعرفه قبل الحادثة فأجاب : لا... فخالد السابق لم يكن يعلم أن لديه ابنة عم بهذا الجمال والخُلق ... لقد أخبرني صديقي بكل شيء, فبعد أن شُفيت لم أتذكر أي شيء بعد ذلك الحادث , أخبرني بما أصابني وكيف كانت معاملة الناس لي , كُنت أشعر بها وكنت أيضاً أشعر بحب واشتياق لشخص أهتم بي ورعاني تساءلت
من هو ؟.....أجابني صديقي : أنها سارة زوجتك ...., أنا تزوجت سارة كيف ؟؟! ....وبعدما سمعت القصة كاملة رغبت بالعودة لرؤية تلك المعاملة ... لقد رأيتك ورأيت استقبالك لي وحسن معاملتك بالرغم انك كنت مجبرة على قبولي كزوج وأيضاً زوج مجنون كما يقولون, إحسانك لي جعلني أخجل من نفسي.... لطالما رفضت فكرة الزواج منك بحجة انك أقل مستوى أمام أحلامي عن زوجة المستقبل ,,لكن ما رأيته... يثبت انك كبيرة ..أكبر من كل تلك الأحلام .....أستطعتي تحريك عواطفي التي فقدتها منذ وفاة والدتي..أنا سعيد ...سعيد أن تكون تلك الإنسانة هي زوجتي..لكن هل أنت سعيدة بعودتي..أجابت وهي تبكي : لا أعتقد أن السعادة ستعود لي .. لقد أحرق والدي جميع أحلامي ..لم يبقى في حياتي سوى رماد تلك الأحلام .
أجاب خالد بأبتسامة يملئها الأمل : سأبذل كل جهدي لأزيل ذلك الرماد ..أعدك.
أكمل خالد مشوار حياته مع سارة بعد أن أستعاد مركزه في مؤسسة والده ,أخذ الجميع يرى التغير الكبير في شخصية خالد فقد أصبح ذلك الشاب المتصف بالأخلاق الكريمة ولطيف ومرِح , وبعد مرور سنة أنجبت سارة لخالد طفلاً جميلاً أسماه أحمد تعبيراً عن الحمد والشكر لله, باتت سارة سعيدة وهي ترى طفلها بين أحضان والده , تيقنت بعد ذلك أن بعد كل ضيق يأتي الفرج وأيضاً يمكن أن يخرج بعد الرماد زهرة تعيد الأمل من جديد.

بارك الله فيك واصل تميزك معنا ودمت فخرا للمنتدى